«عقبة الرادارات»
هـدى حـمـد –
أقلُ ما يُمكن أن يُقال عن «عقبة» العامرات، أنّها اسم على مُسمى، فهي عقبة حقيقية تقفُ حجر عثرة أمام المواطن الذي تُجبره الحياة على أن يختصر مشقة الطريق إلى شؤونه الحياتية.وقد زادت (الطين بلّة) في الآونة الأخيرة، عندما تمّ وضع أجهزة ضبط السرعة، أحدها يمكثُ مُتربصا بك في أعلى ارتفاع منها، والآخر ينتظرك على «النزلة» الحادّة، يقظ العينين لاصطيادك في أي لحظة.تقول النوايا الطيبة: مادمت تثق بنفسك وبسرعتك القانونية، فلماذا تكترث بهذه «الرادارات» التي لم توضع إلا من أجلك؟ ونقول: هذا الكلام يمكن أن ينطبق على أي مكان وأي شارع مستوٍ، ولكنه لا يمكن أن ينطبق على «عقبة» يتجشم مرتادوها يوميا كل تلك الانحناءات الصعبة.بات الأمر مزعجا جدا، ليس لأن المواطن يُريدها أن تكون «سايبة»، وليس لأنّه راغب في تجاوز القوانين أو الاستهتار بها، ولكن لنا أن نتصور ما قد تفعله المكابح المضغوطة في الارتفاع الشاهق أو في ذاك الانخفاض المنزلق! فحتى لو كنت كفرد تقود سيارتك (بأمان الله) فكيف يُمكنك أن تتجنب سيارة تضغط على مكابحها بقوة لتنجو من ضوء (الرادار)؟يُمكن لمكابح سيارة واحدة فوق (العقبة) أن تودي بعدد هائل من السيارات، فوضعُ السيارات فوق العقبة، يختلف كثيرا عن وضعها على شارع مستقيم، ومن جهة أخرى كيف تحدد السرعة بـ(40) في ذلك المنزلق المنحدر..الأمر يتطلب المزيد من السيطرة، المزيد من الضغط على المكابح، المزيد من الأعطال والتصليح، وربما المزيد من حوادث الاصطدام (لا قدر الله)!لطالما ظن الناس خيرا بهذه العقبة (المُنقذة) المُختصرة للمسافات الصعبة والطبيعة القاسية، بل إنّ هذا الشارع أغرى الكثير من العوائل بالهجرة للسكن في العامرات وشراء الأراضي، مما أدى إلى كثافة سكانية كبيرة في حيز زمني قصير، ولكن ما لبث كُثر منهم أن أصيبوا بخيبة الأمل والإحباط!وربما بسبب «العقبة» أو لأسباب أخرى، بقيت العامرات بالرغم من قربها من ولاية بوشر وانتمائها لمحافظة مسقط وقربها من الشارع السريع، بقيت خارج ما يُمكن أن تتحلى به المدينة من استثمار جاد، وخدمات ذات طابع مدني على الرغم من الكثافة السكانية المتدفقة إليها.العقبة المُنقذة.. تُغلقُ وقت الأزمات، والوقت الذي يُصبح الناس في أمس الحاجة إليها. الأمر الذي يُشعرنا كأن العالم لا يُمطر مثلنا، وكأن العالم لا يملك جغرافيا وتضاريس صعبة ليبني شوارعه فوق جبالها الشاهقة، وكأن مهندسي الرومان القدماء لم يقدموا على بناء أعقد شبكة أنفاق في العالم القديم؟بالتأكيد نحن لا ننكر قسوة الطبيعة العُمانية، كما لا ننكر التطور الجيد الذي تمر به شبكة الطرق في عُمان، ولكن يبقى السؤال قائما ومُلحا؟ فمنذ قرون بعيدة وهندسة الأنفاق رائجة في العالم، ولكنها لا تزال مُستبعدة من التخطيط العُماني ولا ندري الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟البعض يُرجعُ السبب للتكلفة العالية التي سيلتهمها مشروع كهذا، والبعض الآخر يتملقُ علينا بمقولات فضفاضة حول تنشيط السياحة والنظر إلى عُمان من تلك المنطقة المرتفعة، رغم أنّ تلك الإطلالة الساحرة فوق العقبة غير مهيأة أصلا بمواقف وحواجز، وتخلق هي الأخرى في الأجواء الجميلة فرصا لاختناقات مرورية إضافية!ولعلنا نتساءل أيضا: عن تلك الحاجة المُلحة والدائمة لصيانة الجبال المتاخمة لـ«العقبة»، ترى كم تستهلك من موازنات الحكومة؟ فلا يبدو أن هذا العمل سينتهي، وما دامت هنالك أمطار ستبقى الصيانة قائمة على هذه الحال!ظاهرة «النينو» بشرتنا بهطول أمطار متفاوتة الغزارة خلال شهريّ أكتوبر ونوفمبر، ممهدة لدخول فصل الشتاء، فما هي الاحترازات والاستعدادات المُعدّة لذلك؟ في وقت بات الواحد فينا غير قادر على الفرح بتحسن الطقس وهطول زخات من المطر، تحسبا لضرائب أخرى بالتأكيد سيدفعها من وقته وجهده ومن جيب الحكومة أيضا!وأمام سيناريو أعمال الصيانة التي لا تنتهي منذ افتتاح «العقبة» عام 2010، وأمام مشهد العمال المُعلقون يوميا فوق تلك الجبال في محاولة تجميدها لكي لا تسقط فوق الرؤوس، (وفوق هذا وذاك) لا تزال الناس تُكابد التحويلات والزحام يوميا، ومن ثم تأتي (الرادارات) لتُغلق عنق الزجاجة، وتفتح مسلسلا جديدا من الاختناقات المرورية خصوصا في وقت الذروة.. فما المطلوب من مرتادي العقبة بالضبط؟