الفصل السادس عشر
في القلعة
كان الوقت متاخرا عندما وصلت الى ((كهف جوزيف)) لانام فيه آخر ليلة ..
وفي الليلة التالية ارسلت الينا السفينة ((بون ادفنشر)) احد قواربها لياخذنا من الشاطئ حتى نصعد الى ظهرها .. وهناك رأيت مجموعة من الرجال و البحارة اعرف الكثيرين منهم .. وتحدثو معي بلطف وترحاب .
وبالرغم من سعادتي بوجودي بين هؤلاء الرجال الا ان شيئا من الحزن قد ملأ قلبي ونحن نغادر ساحل ((دورست)) .. حيث يوج الكهف الذي عشت فيه اكثر من شهرين ..
وفى صباح اليوم التالى انزلتنا السفينة فى بلدة (( كاوز)) ومن هناك وصلنا السير على الاقدام حتى قرية (( كاريسبروك)) .. ودخلنا الى حانة (( باجل)) حيث تناولنا طعاما شهيا .. ونمت على سرير جيد ونظيف وسعدت به كثيرا حين تذكرت فراشى الرملى فى كهف (( جوزيف)) ..
واتفقت مع (( الزفير)) على الا اظهر كثيرا خارج حجرتى او خارج الحانة .. ولذلك فقد كنت اقضى اغلب وقتى فى اخر ركن بالحانة وقراءة الكتب التى اجدهاهناك .. اما (( الزفير)) فقد كان يقضى اغلب النهار بالخارج .. وتردد على القلعة عدة مرات .. وعلم ان القلعة تستخدم الان كسجن لاسرى الحرب من الجنود الفرنسيين .. واخبرنى انه استطاع ان يعقد صداقة مع بعض حراس القلعة .. وتمكن بذلك من الدخول الى القلعة ورؤية البئر ..
***
كانت هناك حديقة خلف حانة (( باجل)) .. يمر بها مجرى مائى صغي .. وكنت افضل الجلوس فى تلك الحديقة فترة المساء .. وجاءنى (( الزفير)) وجلس بجانبى وقال :
_ لقد حاولت ان اضع خطة واصل الى البئر وحدنا دون ان نخبر احدا بذلك .. ولكنى وجدت ان الامر هذا مستحيل تماما .. وهناك رجل يتولى حراسة هذا البئر ، وبدون مساعدة من هذا الرجل لن نستطيع ان نفعل شيئا .. لذلك فقد اضطررت ان اخبره بأن هناك جوهرة ثمينة مخبأة فى هذا البئر ونحن نعرف مكانها .. فوعدنى بأنه سيساعدنا فى الهبوط الى البئر للبحث عن الجوهرة بشرط ان يحصل على ثلث قيمة الجوهرة الثمينة او اية جواهر اخرى نعثر عليها .. والحقيقة انى لا اثق فى هذا الرجل ولكن ليس امامنا حل اخر .. ولهذا فقد اتفقت معه على ان نقابله عند بوابة القلعة فى الساعة السادسة من صباح الغد .. ويحب ان نكون متنكرين فى ثياب عمال بناء جائو ليصلحو جداران البئر .. وسيتولى هو امر دخولنا الى القلعة والى البئر ..!
وفى الصباح الباكر غادرنا حانة (( باجل )) ونحن متنكرين فى الثياب المتفق عليها .. وكانت الامطار الغزيرة ظلت تنهمر طوال الليل .. ومازالت بقاياها تنهمر خلال الصباح .. وعندما وصلنا الى بوابة القلعة وجدنا من يتوقع مجيئنا .. ففتحت لنا البوابة ودخلنا .. ودعانا حارس البوابة لبعض الشراب ولكن (( الزفير)) شكره ولم يقبل دعوته وفضل ان يبدأ العمل فورا ..
وسار الرجل امامنا وسرنا خلفه .. وعبرنا الساحة الرئيسية الى الجانب الاخر .. وهناك اخرج الرجل مفتاحا كبيرا وفتح به بابا ضخما دخلنا منه الى ساحة اخرى اقل مساحة ،وفى وسطها مبنى مربع الشكل مصنوع من الخشب .. وفتح الرجل الباب ودخلنا جميعا وقام الرجل باغلاق الباب من الداخل .. لقد وصلنا الى البئراخيرا ..
وعندما نظرت الى الرجل لم استرح لملامح وجهه ولا الى شكله العام .. وفقدت ثقتى فيه .. واذا كانو يقولون ان هذه الجوهرة الثمينة تجلب التعاسة لمن يمتلكها .. فمما لا شك فيه ان هذا الرجل سيكون اول متاعبنا اذا عثرنا على الجوهرة ...
***
كان هناك برميل خشبي معلق ببكرة الحبال فوق البئر فجذب ((آلزفير)) البرميل ناحيته وقال لي :
- سانزل انا في هذا البرميل .. وسيتولى هذا الرجل الطيب انزال البرميل ببطء .. وعليك يا جون ان تمسك بطرف هذا الحبل في يدك وسامسك انا بطرفه الآخر في يدي .. ان هذا الحبل طوله ثمانون قدما بالظبط .. وعندما يصبح هذا الحبل مشدودا بين ايدينا فعليك ان تطلب من هذا الرجل الطيب ان يتوقف عن انزال البرميل ..!
لم اقتنع بتلك الخطة وعارضتها فورا .. لانها ستجعلني وحدي مع هذا الرجل الذي لا اثق فيه اطلاقا وقد يكون من الافضل ان انزل انا الى البئر ويبقى ((آلزفر)) مع الرجل .. لانه لانه يستطيع ان يتعامل معه اذا صدرت منه اي نية سيئة . لذلك فقد قلت ((لآلزفر)) وانا انظر اليه نظرات ذات معنى :
- لا .. دعني انزل في البرميل لاني صغير وخفيف الجسم .. وابق انت هنا لمساعدة هذا الرجل الطيب ..!
استحسن ((آلزفر)) هذه الخطة ولكن قد استاء من هذا التغيير الغير متوقع بالنسبة له . لذلك فقد قال الرجل ((لآلزفر)) :
- ان خطتك السابقة افضل كثيرا من هذه الخطة ..
ولكن ((آلزفر)) لم يعر اي التفات لكلمات الرجل بعد ان فهم ما كنت اعنيه بنظرات عيني .. وقرر ((آلزفر)) في النهاية ان يبقى هو مع الرجل وان انزل انا الى البئر ..
وفي الحقيقة فقد كنت اخشى ان يكون الهواء فاسدا في اعماق البئر لذلك فقد استدرت نحو ((آلزفر)) وسالته:
- هل انت متاكد من ان البئر نظيف وان هواءه صالح للتنفس ..؟!
اجاب ((آلزفر)) :
- بالتاكيد .. لقد اختبرته أمس .. وادليت شمعة مشتعلة مربوطة بحبل الى قاع البئر وظلت الشمعة محافظة على شعلتها حتى وصلت الى سطح الماء في البئر .. واي مكان يصلح لاستمرار الشمعة مشتعلة يصلح بالطبع لتنفس الانسان .. وعلى اية حال فلكي تكون مطمئنا سنعيد التجربة امامك .. احضر لنا شمعة ايها الرجل الطيب !
واضطر الرجل الى احضار شمعة وهو مستاء.. وثبت الشمعة في قطعة من الخشب بعد ان اشعلها .. وادلاها بحبل رفيع الى اعماق البئر .. وظلت الشمعة تنزل رويدا رويدا الى ان اصبحت مثل نقطة صغيرة من الضوء حين لامست سطح المياه .. وعندئذ بدأ الرجل يرفع الشمعة مرة اخرى حتى اخرجها خارج البئر .. ثم اخذ حجرا صغيرا والقاه في البئر .. واصطدم الحجر عدة مرات بجوانب البئر اثناء سقوطه.. ثم دوى بصوت عميق مكتوم حين غاص الحجر في مياه البئر .. ونظر الرجل الي وكانه يقول في
سره:
هكذا سنسمع صوتك وانت تسقط في هذا البئر ..!!
وتقدم ((آلزفر)) ووضع يده فوق كتفي وسالني:
- هل انت متاكد يا بني من انك قادر على النزول الى هذا البئر ؟!.. اني مستعد ان افقد كل مجوهرات العالم ولا افقدك انت !
فاجبته بكل ثقة:
- نعم .. اني قادر على النزول ولا اخاف .!
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق