الفصل الثانى عشر
تسلق الطريق الخطر
لقد اصبحنا امنين الى حد ما من طلقات الرصاص .. ولكن الى اى مدى يمكن ان يستمر هذا الامان ؟ !
.. ان الجنود سيهبطون من قمة الرأس الى ارض الشاطئ ويمكن عندئذ قتلنا او القبض علينا بكل سهولة .. وليس معنا اى سلاح يمكن ان ندافع به على انفسنا سوى مسدس خال من الرصاص .. وسألنى (( الزفير)) :
_ الا يمكنك ان تقف على قدميك يا جون؟! .. هل اصيبت عظام قدميك .. ؟1
قال ذلك وهو يمسك بقدمى اليسرى وحركها حركة بسيطة جدا ، ولكنها كانت كافية لتشعرنى بالم فظيع لا يطاق .. فقلت انا احاول تحمل الالم :
_ لا لااستطيع الوقوف.. وشعرت ان الدماء تستل داخل حذائى ..!
وقال (( الزفير)) :
_ انا لا نستطيع ان نعالج قدمك هنا ، وليس امامنا سوى ان نربطها بقطعة من القماش بصفة مؤقتة حتى نخرج من هذا الكمين .. فليس امامنا سوى اقل من خمسة عشر دقيقة يكون الجنود قد هبطو خلالها من قمة الرأس حتى الشاطئ .. وعندئذ سيقبضون علينا احياء ويشنقوننا فى (( دور شستر)) ..!
***
وبالرغم من معاناتى شدة الالم فى قدمى .. تصورت كم سأكون سعيدا لو انى الان راقد على سريرى فى حانة (( هواى نوت)) او حتى جالسا بلا عمل فى بيت خالتى .. واحس (( الزفير)) بما اعانيه وقال :
_ لاتفقد الامل ياجون .. مازالت امامنا فرصة وحيدة يمكن ان تنقذ حياتنا .. ولكنها فرصة صعبة .. بل فى غاية الصعوبة .. انى اعرف ان هناك طريق وعر جدا وضيقا يؤدى الى قمة رأس هور وهو طريق وعر وخطر ومن المؤكد ان الجنود لا يعرفون وجوده .. وحتى لو كانو يعرفونه فلن يستطيعو المجازفة بالسير فيه فى حين ان لديهم الطريق المعتاد الهابط من القمة الى ارض الشاطئ .. وهو الفرصة الوحيدة لنجاتنا .. وارجو ان تبعد الخوف عن قلبك .. وان تكون على استعداد لتحمل المخاطرة فى تسلق هذا الطريق الضيق الخطر حتى نصل الى قمة (( رأس هور)) فى نفس الوقت الذى يكون الجنود قد هبطو فيه الى ارض الشاطئ .. وبذلك ننجو بحياتنا من هذا الكمين .. وسوف احملك فوق ظهرى واتسلق بك .. وعندما نصل الى بعض الاماكن الضيقة جدا والاكثر وعورة والتى لا تسمح بجتيازها وانا احملك على ظهرى فعليكفى هذه الحالة ان تجتازها بمساعدتى وانت تزحف على يديك وركبتيك .. فهل انت على استعداد ياجون لتتحمل هذه المجازفة .. ؟!
فقلت بلا تردد :
_ طبعا يا عزيزى (( الزفير)) .. وعلينا الان فورا ان نخاطر ونسلق الطريق الوعر .. وحتى لو سقطنا من اعلى تلك الصخور المدببة فسوف يكون هذا افضل بكثير من الوقوع فى ايدى الجنود والموت شنقا فى نهاية الامر ..!
وهممت بالوقوف على قدمى ظنا منى انى استطيع السير ببطئ وبقدم تعرج .. ولكنى سقطت فورا على الارض وانا اصرخ من شدة الالم .. فحملنى (( الزفير)) بين ذراعيه واتجه نحو بداية الطريق الضيق الصاعد الى اعلى بميل شديد .. ومن هناك القيت اخر نظرة على (( ماسيكو)) الراقد ميتا ووجهه متجها نحو السماء ..
ووضعنى (( الزفير )) على الارض ليستعد الى حملى فوق ظهره بطريقة مريحة قبل الشروع فى الصعود وتسلق هذا الطريق المرعب الخطر .. وفى اثناء ذلك نظرت الى اعلى وفحصت جزءا من هذا الطريق الذى يجب علينا ان نتسلقه فأصبت بالذعور وبخوف جمد اطرافى .. فقد كان الطريق ضيقا جدا ومائلا الى اعلى بطريقة حادة تجعل من الصعب على المرء ان يجتازها دون ان يسقط فى البحر ، وتسللت الى انفى رائحة نتنة .. ورأيت بقايا بقرة كانت قد سقطت من اعلى القمة .. من شدة احساسى بالرعب اقتنعت بأن البقاء هنا والاستسلام للجنود قد يكون افضل بكثير من النجاة بعد تسلق هذا الطريق الوعر المستحيل .. ولذلك فقد رجوت (( الزفير)) ان يسرع هو بالهرب وان يتركنى لمصيرى هنا .. فقال (( الزفير)) مشجعا :
_ هيا ياجون .. ليس هناك وقت للتراجع او لتغيير خطتنا .. ماهى الا خمس عشر دقيقة ونصل الى القمة سالمين .. وعندئذ سيكون امام الجنود ساعة كاملة ليصلو الى القمة مرة اخرى ليعاودو مطاردتنا وعندما يعثر الجنود على جثة ماسيكو سيقضون وقت للبحث فى الامر ومعنى هذا اننا سنكسب وقتا اضافيا هيا ياجون دعنى احملك على ظهرى واغمض عيناك ولا تفتحها الا اذا طلبت منك ذلك .. !
وحملنى الزفير فوق ظهره .. واغمضت عينى كما امرنى وبدأت اشعر بوقع خطواته البطيئة وهو يصعد هذا الطريق الضيق الوعر .. وكان من الواضح ان (( الزفير)) كان يتحسس موضع قدميه وهو يتقدم خطوة خطوة .
وبالرغم من انى كنت مغمضا عينى لا ارى شيئا فقد احسست من اننا قد تسلقنا مرحلة لا بأس بها ..
وارتفعنا الى منطقة هبوب الرياح .. كما احسست ان خطوات الزفيراصبحت اكثر صعوبة وتكلم (( الزفير )) اخيرا :
_ جون .. سوف اتوقف عن السير الان .. وسوف اضعك على الارض بعد ان انزلك من فوق ظهرى .. واحتفظ بعينيك مغمضتين ولا تفتحهما الان.. ان الطريق اصبح ضيقا جدا فى هذه المنطقة ولا يسمح بأن امر وانا احملك فوق ظهرى .. وعليك الان ان تزحف على يديك وركبتيك حتى نتمكن من اجتياز تلك المنطقة الضيقة .. ويمكنك ان تفتح عينيك وانت تزحف .. ولكن ركز نظراتك على جانب الصخرة ولا تنظر الى اسفل اطلاقا .. !
وعندما فتحت عينى ودت ان عرض الطريق لا يزيد عن قدم واحد وهى مسافة تجعل من المستحيل ان يعبرها انسان زحفا على قدميه .. لكن ليس امامى سوى ان ازحف وازحف .. بالرغم من الالم الفظيع الذى كنت اعانيه وانا اجر قدمى المصابة .. وقال ((الزفير)) مشجعا :
_ هيا ياجون .. اسرع قليلا .. لم يبقى سوى ان تزحف خطوة او خطوتين .. ويمكننى بعد ذلك ان احملك فوق ظهرى مرة اخرى .. هيا اسرع وكن حذرا .. !
واخيرا اتسع الطريق قليلا ونجحنا فى اجتياز المنطقة الوعرة الخطرة .. وتقدم الزفير وحملنى على ظهره .. ولكنى فتحت عينى فجأة ونظرت الى اسفل ونظرت منظرا مرعبا يثير الهلع .. كانت مياه البحر البحر الزرقاء تبدو بعيدة جدا من هذا الارتفاع .. وكانت طيور البحر تحلق تحتنا وكان الممر ضيقا وشديد الوعورة واية زلت قدم معناها نهايتنا .. وتذكرت مصير البقرة المسكينة التي سقطت من اعلى . فندت عندي صرخة رعب وهلع .. فانزلني ((آلزفر)) من فوق ظهره ورقدت على ارض الممر الضيق والخوف يملا قلبي ..وقال ((آلزفر)) :
- تشجع يا جون .. الم اطلب منك ان تغلق عينيك ولا تفتحهما الا اذا سمحت لك بذلك ؟! .. لقد تسلقنا لمدة عشر دقائق كاملة ولم يبقى امامنا سوى خمس دقائق اخرى ونصل الى نهاية هذا الطريق .. هيا اغلق عينيك مرة اخرى .. ولا تفعل شيئا سوى ان تعد الارقام .. واحد .. اثنان ..ثلاثة ..وهكذا حتى ننتهي من اجتياز المسافة الباقية ..
قلت يائسا:
- لا استطيع يا ((آلزفر)) ..لا استطيع ..!
فنظر ((آلزفر الى اسفل نحو ارض الشاطئ وقال:
- هاهم الجنود قد هبطو اخيرا الى ارض الشاطئ .. لقد عثرو على ((ماسكيو)) .. واذا بقينا هنا لمدة دقيقة اخرى فسوف يكون في استطاعة الجنود ان يرونا ونحن في هذا المكان ..اما اذا تقدمنا قليلا فان الطريق ينحني ولن يتمكن الجنود من رؤيتنا ..هيا يا جون ..تشجع!
ان العقل البشري شئ غريب .. فالخوف الاكبر والاخطر يتغلب على الخوف الاصغر والاقل خطورة .. وتلاشت كل مخاوفي من اجتياز الطريق الضيق الوعر ..المرتفعة كل هذا الارتفاع الهائل .. والتي تحيط بها الاخطار من كل جانب .. وواصلت الزحف على يدي وركبتي .. و((آلزفر)) يساعدني ويشجعني .. وبعد خمس دقائق من العذاب .. وصلنا الى قمة الطريق .. وارتمينا على الارض نلتقط انفاسنا ..!
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق