الفصل السابع عشر
النزول الى البئر
وبدأ البرميل ينزل بي الى اسفل البئر رويدا رويدا .. وكلما نزلت الى اسفل خف الضوء واظلمت جدران البئر .. وعندما نظرت الى اعلى وجدت فوهة البئر عبارة عن دائرة من الضوء تبدو مثل القمر ..
واستمر النزول بطيئا الى ان وصلت الى نهاية الحبل الذي ادلاه ((آلزفير)) من اعلى والذي يبلغ طوله ثمانين قدما بالظبط وعندئذ صحت بالرجلين ان يتوقفا عن انزال الذي يحمل البرميل وتوقف الهبوط فورا ..
وكانت جدران البئر مبنية باحجار مربعة متماثلة في الشكل و الحجم واخذت افحصها حجرا حجرا ولكني وجدتها كلها متشابهةولا يوجد بينها اي حجر مميز باي علامة .. وسمعت صوت الرجل الحارس وهو يصيح بي متسائلا :
- هاه .. هل وجدت شيئا ..؟! هل ترى المكان جيدا ..؟!
فصحت قائلا :
- لا .. لم اجد شيئا .. يا ((آلزفير)) .. هل انت متاكد من ان حبلك طوله ثمانون قدما بالظبط ..؟!
وسمعت الرجلين يتحدثان مع بعضهما ولكني لم اسمع شيئا مما كانا يقولانه .. واخيرا صاح بي ((آلزفر)) :
- جون .. يقولون ان الارض قد ارتفعت قليلا في هذه المنطقة بمرور الزمن .. وعليك ان تبحث في مكان اكثر عمقا من المكان الذي تقف فيه الآن.. وسوف تنزل بالبرميل قليلا فانظر جيدا ..
واخذ البرميل ينزل بي مرة اخرى لكن ببطء شديد اتاح لي ان افحص جميع الاحجار بدقة شديدة .. وفجئة لا حظت وجود علامة صغيرة على شكل حرف ((y)) وهو الشعار الذي كانت تتخذه عائلة ((الموهون)) .. اذن فالجوهرة الثمينة مخباة خلف هذا الحجر .. لقد وصلت اليها اخيرا .. وطلبت من الرجلين ان يتوقفا عن انزال البرميل .. وان يحركا البرميل قليلا ناحية الجانب الآخر من البئر ..
واخذت اخفر حول الحجر محاولا زحزحته من مكانه .. وسمعت مرة اخرى صوت الحارس وهو يصيح :
- ماذا تعمل الان ؟ .. هل ةجدت شيئا ؟ .. هل وجدت شيئا..؟!
وتضايقت هذه المرة من صوت هذا الحارس .. لماذا يصيح متلهفا هكذا .. بينما ظل ((آلزفير)) صامتا طوال الوقت ..؟!
وتمكنت من اخيرا من زحزحة الحجر وخلعته من جدار البئر ووضعته في البرميل جوار قدمي ..ومددت يدي داخل الثقب الذي كان يشغله الحجر فعثرت على لفة صغير تحسستها باصابعي فاذا بداخلها شئ صلب وكروي .. وما ان فتحت اللفة حتى وجدت بداخلها ماسة ضخمة..!!
لم اكن قد رايت في حياتي من قبل اي قطعة من الماس .. لا صغيرة ولا كبيرة .. ومع ذلك فقد شعرت ان تلك الماسة التي عثرت عليها هي اجمل الماسات في العالم .. كان ينعكس عليها ضوء الشمعة التي كنت احملها في يدي الاخرى فيخرج منها على الفور بريق من آلاف الالوان البديعة المبهرة .. ولم استطع ان ابعد عيني عن جمالها وبريقها .. ومر بذهني سيل الذكريات والاحلام التي كنت اصور نفسي فيها سعيدا متمتعا بالغنى والثراء .. والعودة الى ((مون فليت)) .. وحبي ((جريس)) ..
وأفقت على صياح الحارس من جديد :
- ماذا تعمل الآن ؟ .. هل وجدت شيئا ..؟!
وصحت بالرجلين على البئر :
- نعم .. لقد وجدت الجوهرة .. ارفعاني الآن الى اعلى ..!!
واخذ البرميل يرتفع بسرعة .. وظلت الاحلام تراودني اثناء الصعود .. وتذكرت صوت ((جريس)) العذب الجميل وهي تقول : كن حذر ا.. ان هذه الجوهرة قد تجلب لك التعاسة !
وعندما اصبحت قريبا من فوهة البئر توقف الحارس عن جذب الحبل واصبحت معلقا .. واندهشت لانه كان من المفروض ان يسحب الحبل الى ان اخرج سالما من البئر واعود مرة ثانية الى الارض .. ولكني لاحظت ان الحارس مد يده الي وقال :
- اين الجوهرة .. اين الجوهرة.. اعطني اياها ..!
ووضعت الماسة بين اصابعي لاريها ((لآزفير)) .. ولكن الحارس مد يده اكثر واراد ان يخطفها ..ولاحظت في عينه شيئا ذكرني بعلاء الدين ومصباحه السحري .. وتذكرت ان علاء الدين رفض ان يعطي الساحر المصباح قبل ان يخرجه من داخل الكهف .. .. لقد كان علاء الدين يخشى ان يحصل الساحر على المصباحثم يغلق عليه باب الكهف ويصبح مدفونا تحت الارض .. وعاود الحارس صياحه مرة اخرى:
- اعطني الجوهرة ..!
فاجبته بكل ثقة :
- اخرجني اولا من البئر واعطيك الجوهرة ..
فقال الحارس ببجاحة:
- لا .. اعطيني الجوهرة اولا .. ان ذلك ااكثر امانا ..قربما تسقط الجوهرة من يديك اثناء خروجك من حافة البئر ..!
ثم صاح مرة اخرى بصوت اكثر غضبا :
- قلت لك اعطيني الجوهرة .. هاتها!!
وهنا تدخل ((آلزفير)) الذي لم يقبل ان يحدثني الحارس بهذه الطريقة .. فقال له :
- ارفعه اولا خارج البئر .. ان لجوهرة ملك لهذا الصبي وسوف نعطيك حقك الذي اتفقنا عليه وهو ثلث قيمة الجوهرة بعد ان نبيعها ..
فقال الحارس فس شراسة:
- ان الجوهرة ليست ملكا له .. ولا ملكا لك انت ايضا .. انها ملكي انا ..لان البئر بئري انا .. ولقد سمحت لكما بالنزول الى البئر لاحضار الجوهرة ..وسوف اقوم انا ببيعها واعطيك نصف قيمتها .. اما هذا الصبي فسوف اعطيه قطعة نقود ذهبية كمكافاة له .. وهذا يكفي !
وقال ((آلزفير)) :
- لا تكن غبيا .. ان الجوهرة ملك للصبي .. وسوف يحصل على حقه كاملا ..
وقال الحارس بسرعة :
انا لست غبيا بل انت الغبي .. ان اسمك هو ((آلزفير بلوك)) وهناك مكافاة قدرها خمسون جنيها لمن يقبض عليك .. وكافاة اخرى قدرها عشرون جنيها لمن يقبض على هذا الصبي .. وانتم الان في قبضة يدي ويمكنني ان احبسكما داخل هذا المبنى الخشبي واسلمكما الى الجنود .. فهل انا الغبي ام انت .. انى لن ادعكما تخرجان من هنا الا اذا اخدت الجوهرة .. !
وعندما تبينت هذا الموقف الغريب من جانب الحارس ، خبأت الجوهرة داخل ملابسى .. وقررت ان ابذل كل جهدى فى الدفاع عنها بكل طريقة ممكنة .. ونظرت الى اعلى ولاحظت ان الحارس قد اخرج مسدسه من جيبه .. فصحت على (( الزفير)) محذرا :
_ احترس يا (( الزفير)) .. احترس!
وفى تلك اللحظة صوب الحارس مسدسه نحو (( الزفير)) وقال مهددا:
_ اياك ان تتحرك .. انى اقبض عليك الان .. واذا صدرت منك اية حركة فسأطلق عليك النار وارديك قتيلا واحصل على الخمسين جنيها ..
وفجأة اطلق الحارس النار صوت (( الزفير)) الذى كان يقف على الجانب المقابل من حافة البئر .. وكان من المتوقع أن (( الزفير)) قد اصيب بالطلقة التى اطلقت عليه من تلك المسافة القريبة .. ولكن الطلقة طاشت وضربت الحافة للبئر ولم يصب(( الزفير)) بشيئ .. وعندئذ القى الحارس مسدسه الفارغ من الرصاص واندفع نحو (( الزفير)) فى هجوم وحشى .. وامسك رقبة (( الزفير)) بين يديه ..
كان الحارس اكثر شبابا ، ولكن (( الزفير)) كان اكثر قوة .. ونشبت بين الرجلين معركة شرسة ..
وبذلت كل جهدى حتى صعدت خارجا من البئر لكى اساعد (( الزفير)) فى معركته ضد الحارس .. ولكنى ما ان وقفت الى جانب حافة البئر حتى وجدت (( الزفير)) فى غير حاجة الى مساعدتى .. كان قد تغلب على الحارس واوشك ان يلقى به على الارض .. وكانت ذراعا الحارس تحيطان بجسم (( الزفير)) .. ولكنه رفعهما ومدهما ليمسك برقبة (( الزفير)) مرة اخرى .. فاذا به ينزلق على المياه التى كانت تحيط بحافة البئر ، فسقط على الارض وقدماه مرفوعتان الى اعلى ورأسه متجها الى اسفل وسقط فى فوهة البئر .. وفى لمح البصر مدتت يدى لكى امنعه من السقوط ، الا ان يدى لم تمسك الا بسلسلة المفاتيح التى كانت معلقة فى حزام حول وسطه .. وسقط الحارس فى فوهة البئر واحدث سقوطه صوتا مرعبا وهو يتخابط فى جدران البئر ثم دوى الصوت مرة اخرى حين سقط فى مياه البئر .. وتلا ذلك صمتا تام ..
اسرع (( الزفير)) نحو البرميل ، ودخل الى فوهة البئر وهو يقول :
_ هيا ياجون .. انزلنى بسرعة .. سأحاول ان انقذه ..!
وادليت الرميل بسرعة الى اسفل البئر .. واخذت انصت باهتمام لاعرف النتيجة .. واخيرا طلب منى (( الزفير)) ان ارفع البرميل الى اعلى .. وعندما خرج من البئر لزم الصمت وعرفت بذلك ان الحارس قد مات !
وقلت متحسرا :
_ دعنا نلقى هذه الجوهرة فى البئر يا (( الزفير)) انها لم تجلب لنا سوى التعاسة والموت !
فقال (( الزفير)):
_ لا .. اعطنى الجوهرة لاحتفظ بها من اجلك .. انا لا اريد شيئا منها ولا ارغب فى الحصول من ورائها على اى كسب .. اريد فقط ان امنعك من القائها فى البئر !
وهكذا اعطيت الجوهرة ل(( الزفير)) ..
وعدنا بسلام الى حانة (( باجل)) .. وجمعنا حاجياتنا بسرعة .. واعتذرنا لصاحب الحانة بأن عملا ما جعلنا نرحل بسرعة .. واتجهنا الى ميناء القريب من الحانة .. وركبنا سفينة هولاندية كانت على وشك الرحيل فورا الى هولندا. . !
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق