الفصل الرابع عشر
الشفاء
وبعد ان اعد لي آلزفر فراشا من الرمل الجاف .. ارقدني عليه وهو يقول :
- انه ليس سريرا مريحا .. ولكن من المؤكد ان هناك اماكن اخرى للنوم اسوا منه بكثير .. وعلى اية حال فان الازم والضروري ان ترقد هنا لمدة شهر او ربما شهرين حتى يلتام الجرح في قدمك وتعود اليك عافيتك تماما ..!
ولكن بينما كان ((آلزفر )) يتكلم .. كنت اشعر بالم شديد يكاد يحطم راسي .. وطلبت ان اشرب بعض الماء .. فاحضر لي ((آلزفر بعض الماء في قبعته وشربت وانا اشعر ان راسي تدور وتدور .. ولم اشعر بما حدث بعد ذلك واصبحت بغيبوبة كالمة استمرت عدة ايام.. اخبرني ((آلزفر))بعد ذلك اني كنت افز من غيبوبتي تلك واصرخ واهذى .. ولكنه كان يقوم بتهدئتي ويحرص على راحتي .. وكان لا يترك الكهف اطلاقا الا اذا اضطر الى احضار بعض الطعام ..
وبعد ان خفت عني وطاة المرض وبدات اتمايل الى الشفاء .. اصبحت نحيفا وفي غاية الضعف .. ولم اعد افعل شيئا سوى الرقاد على الفراش الرمالي لا افكر في شئ ولا ازعج نفسي بالاهتمام بشئ ..وآكل كل ما يقدم الي من طعام ..
ولم يكن احد يعرف سر وجودنا بهذا الكهف سوى ((راتسي)) الذي كان يحمل لنا الطعام بين الحين والآخر ويخبرنا بآخر اخبار ما يحدث في ((مون فليت))..وقال لنا ان الجنود مازالو يبحثون عنا في كل مكان .. وانهم كانو يظنون في البداية اننا سقطنا في البحر .. وقد قال الجنود ذلك حين احضروا جثة ((ماسكيو)) الى ابنته .. ولكن هذا الوضع تغير عندما اخبرهم صبي صغير بانه راى واحدا من المهربين ومعه صبي مصاب في قدمه ..وان هذا المهرب خطف منه بندقيته وباروده .. ولهذا فقد اعلن قائد الجند عن مكافئة قدرها خمسون جنيها لمن يقبض على ((آلزفر بلوك)) ... ومكافاة اخرى قدرها عشرون جنيها لمن يقبض على الصبي ((جون ترنشارد)) ...
وهكذا مرت الايام..
وبدأت استعيد صحتي وعافيتي .. وبدأ ((آلزفر)) يتحدث عما سوف نفعله بعد ان نغادر الكهف .. وقال انه علينا ان نذهب الى ((نيو بورت)) ومن هذا الميناء نركب سفينة المهربين((بون ادفنشر)) ونذهب بها الى فرنسا .. ونختبئ هناك الى ان يكف الجنود عن البحث عنا ..
وفى احدى الامسيات العاصفة ، كان (( الزفير)) قد ذهب الى بلدة بول القريبة بعد ان علم ان السفينة (( بون ادفنشر)) ستكون موجودة هناك وليتفق مع بحارتها على الموعد المناسب لرحلتنا ..
كنت اجلس خارج الكهف لكى اطل على البحر الصاخب الذى كانت امواجه العاتية تتلاطم بعنف فوق صخور الشاطئ .. وخيل الى انى رايت منظرا غريبا .. خيل لى انى رايت (( ماسيكو)) راقدا على الارض مكتوف اليدين والقدمين ومع ذلك فقد كان يضحك لى .. او يضحك على .. لا ادرى..
قمت ودخلت الى الكهف واشعلت شمعة وفتحت العلبة الفضية التى عثرت عليها فى تابوت ذى اللحية السوداء .. واخرجت الورقة الصغيرة ذات الكتابة الغامضة .. واخذت أقرأها مرة اخرى :
قد يعيش الرجل ثمانين عاما ..
يمشى قدما قدما تحت سيل الدموع..
فالشرب من بئر السعادة ..
لان الموت سيأتى حتما ..
من جهة الشمال او الجنوب ..
(( جون موهون))
وفجأة سمعت حركة فى الممر الموصل الى الكهف .. وسمعت وقع خطوات لشخص قادم .. انه ليس (( الزفير)) لان (( الزفير)) لن يعود من مشواره قبل عدة ساعات فمن ياترى يكون قادم ؟! .. واطفأت الشمعة .. وامسكت بالبندقية التى كانت موضوعة على جانبى ، وصحت فى الظلام :
_ من القادم هناك ؟!
توقفت الخطوات ولكن احدا لم يرد .. فكررت الصياح مرة اخرى وبصوت اعلى :
_ من القادم هناك .. اجب والا سوف اطلق النار . . !!
وهنا اجاب القادم :
_ انا (( راتسى)) ايها المجنون الصغير .. هل ستطلق النار على اعز صديق لك .. وبالبندقية التى احضرتها اليك . . ؟!
وهكذا انزلت البندقية ، واعدت اشعال الشمعة .. ورأيت راتسى امامى . . !
كانت ملابسة مبتلة بسبب الامطار الغزيرة التى هطلت عليه عليه فى طريقه الى هنا .. ولكنه كان مسرورا برؤيتى وقال وهو يمسك بيدى :
_ جون .. ان ما حدث لك طول الشهرين الماصيين قد حولك من صيى الى رجل .. لقد كنت مجرد صبى صغير حين خرجت معنا فى عملية رأس هور .. لم يكن من الصواب ان تخرج معنا فى ذلك الصباح .. ان مثل هذه الاعمال لا تناسب صبيا فى مثل سنك ..
وبالرغم من اقتناعى بصحة كلامه الا اننى قلت بصدق :
_ لا يا (( راتسى)) .. اينما سيذهب (( الزفير)) سأذهب معه .. واينما ابقى سأبقى ..
وجلست فوق فراشى الرملى .. وبدأت العاصفة تشتد فى الخارج .. وتسلل الهواء الى داخل الكهف فأطفأ الشمعة .. وصاح (( راتسى)) :
_ يالها من ليلة عاصفة باردة .. كان الله فى عوننا .. فقلت مؤيدا :
_ نعم .. وكان الله فى عون البحارة والرجال الذين يعملون فى السفن التى تجوب البحر فى تلك العاصفة ..
وقال راتسى :
_ حقا .. من المحتمل اننا سنجد بعض القوارب والسفن الصغيرة محطمة على الشاطئ (( مون فليت))
صباح اليوم التالى بعد هدوء العاصفة .. دعنا نشعل بعض النار ..!
واشعلنا النار فى بعض الاخشاب وفروع الاشجار .. واحسسنا بالدفء .. وقال (( راتسى)) وهو يفرك يديه :
_ كنت موشكا على الموت متجمدا من شدة البرد .. كم هى جميلة تلك النار .. وكم هى مفيدة للانسان .. هل تعلم يا جون ان لى ذكريات حزينة فى هذا المكان ؟ .. فمنذ حوالى اربعين عاما .. عندما بدأت اعمل فى تهريب البضائع .. كنت جالسا فى نفس هذا المكان بداخل هذا الكهف .. وفجأة سمعت اصواتا تصرخ .. وصوت سفينة ترتطم بصخور الشاطئعدة مرات . وكل من كان عليها رجال ونساء واطفال كانو يصرخون للنجدة وانقاذهم من السفينة الغارقة .. وعندما خرجنا لنستطيع الامر لم نستطع ان نرى شيئا بسبب شدة الظلام وشدة هطول المطر ..
وفى الصباح اليوم التالى علمنا ان السفينة (( فلوريدا))
_ وهى سفينة جيدة - قد غرقت بكل من عليها من رجال ونساء واطفال ..
وصمت (( راتسى)) قليلا بعد ان استعاد احزان هذه الذكرى .. وبعد ذلك اخرج ورقة من جيبه واعطاها لى كى اقرأها .. وكانت الورقة عبارة عن اعلان بمكفأة قدرها 50 جنيها لمن يرشد الى مكان العثور على (( الزفير بلوك)) ومكفأة اخرى قدرها 20 جنيها لمن يساعد الجنود فى العثور على (( جون ترنشارد)) ..
وقال ((راتسى )) ليطمئننى :
_ لا احد فى (( مون فليت)) يعلم شيئا عن مكان اختفائكما .. وحتى لو علمو فلن يقبل احد ان يرشد اليكما .. ولكن الجنود يراقبون كل تحركاتى .. واينما اذهب اراهم يتتبعون خطواتى .. وقد يكون من الافضل ان امتنع على المجيئ الى هذا الكهف مرة اخرى حتى لا يكون هناك من يراقبنى ويعرف بالتالى سر المكان ..
وعندما اخبرت (( راتسى)) بأن (( الزفير )) قد ذهب الى بلدة (( بول )) ليتفق مع بحارة السفينة (( بون ادفنشر)) على سفرنا الى فرنسا .. شعر (( راتسى)) بكثير من الفرح والارتياح لهذا القرار .. ولكنه بعد ذلك صمت قليلا .. ومد يديه ليدفئهما اما النار ..
وقال فى صوت حزين :
_ ان قلبى مملوء بالحزن يا جون.. لقد راحت الايام السعيدة الماضية .. و (( الزفير)) لن يستطيع العودة الى (( مون فليت)) مرة ثانية .. وحانة (( هواى نوت)) مغلقة لان (( ماسيكو)) قد مات قبل ان يبدأ العمل فيها .. و (( جريس)) ابنة (( ماسيكو)) بنت صغيرة ومسكينة .. نحيفة وبيضاء مثل الزهرة ..
هل تعلم يا جون انها لم تصدق الرجال الذين قالوا لها انك انت و (( الزفير)) اشتركت فى قتل ابيها .. بل وقالت لهؤلاء الرجال ان (( الزفير)) لا يمكن ان يقتل رجلا فى مثل الحالة التى كان عليها ابيها بعد ان امسكوه .. وحتى لو كان الزفير قد شرع فى قتل ابيهاانتقاما لقتل ابنه (( دافيد)) فهى تعلم جيدا ان (( جون ترنشارد)) سيبذل كل جهجه ليمنعه .. !
كانت هذه الكلمات التى قالها (( راتسى)) اعذب فى اذنى من صوت الموسيقى .. لقد جعلتنى اشعر بأنى محل ثقة (( جريس)) وانها مازالت تذكرنى بخير ..
لذلك فقد قلت لراتسى انى لابد ان ارى (( جريس)) واخبرها بنفسى عن كل شئ مما حدث .. لا بد ان اراها قبل ان اغادر من انجلترا الى فرنسا .. وعندئذ نظر الى راتسى نظرة متسائلة وقال :
_ حقا ان (( جريس)) بنت جميلة وبيضاء مثل الزهرة .. ولكنها مازالت صغيرة .. وربما ستكون خير زوجة لك عندما تصبح رجلا .. وذلك اذا قبلت هى الزواج منك !
ووضع (( راتسى )) بعض الاخشاب فى النار فازدادلهيبها فشتعلت ووفرت لنا مزيدا من الضوء وعندئذ رايت ورقة ذى اللحية السوداء التى كنت اقرأها عندما سمعت خطوات (( راتسى)) حين كان قادما من الممر المؤدى الى الكهف .. وكانت الورقة الصغيرة ملقاة الى جانب قدمى (( راتسى)) . . فالتقطها وتفحصها قليلا ثم قال :
_ ماهذه الورقة ياجون .. انها مكتوبة بطريقة رديئة .. وفيها بعض الكلمات مكتوبة بأحرف كبيرة فى الوقت التى كان يجب ان تكتب بأحرف صغيرة ..!
واعطانى الورقة ، ونهض واقفا ثم قال :
_ يبدو اننى لن استطيع ان انتظر (( الزفير)) اكثر من ذلك .. وعندما يعود اخبره بالذى قلته لك ..
وعليكما ان تسرعا بمغادرة هذا المكان فى اقرب وقت .
وودعنى (( راتسى)) وانصرف ..
والتقطت الورقة الصغيرة وعاودت قراءتها .. ولاحظت بالفعل ان هناك كلمات كتبت بحروف كبيرة فى حين ان الصحيح ان تكتب بحروف صغيرة .. كيف لم الاحظ هذا من قبل .. وببساطة شديدة وجدت ان الكلمات التى كتبت بالحروف الكبيرة هى :-
ثمانين . . قدما . . تحت . . بئر . . جهة الشمال
لقد انكشف سر الجوهرة اذن .. فمعنى هذه الكلمات ان الجوهرة مخبأة فى(( بئر))على عمق(( ثمانين قدما)) (( من جهة الشمال )) .. ولكن الشمال ماذا ؟ !
واستغرقت فى التفكير لحل هذا اللغز الجديد .. ودب فى عينى النعاس فنمت فترة .. وعندما استيقظت لاحظت ان النار مازالت مشتعةوان (( الزفير)) جالسا امامها ويعد بعض الطعام .. فقال حينما رأنى مستيقظا :
- هذه ثانى مرة ياجون تنام فيها حين يجب عليك ان تبقى مستيقظا لمراقبة المكان .. !
اعتذرت له .. واخبرته بأمر تلك الكلمات المكتوبة بحروف كبيرة فى ورقة ذى اللحيةالسوداء .. والمعنى الذى تشير اليه تلك الكلمات .. فقال (( الزفير )) ..
- يبدو انك محق فى هذا الظن .. ولكن ماهو البئر المقصود ؟ .. انا اعرف جميع الابار فى (( مون فليت)) .. وليس بينها بئر واحد عمقه يصل الى ثمانين قدما .. وربما يكون هذا البئر الذى المقصود فى ورقة (( جون موهون )) يقع فى منطقة خارج (( مون فليت)) .. وربما يكون فى قلعة (( كاريسبروك)) التى كان (( جون موهون)) ذو اللحية السوداء يقوم فيها بحراسة الملك السجين .. انا اعرف ان هناك بئرا داخل تلك القلعة .. فهيا بنا نذهب الى تلك القلعة .. ان لدى اصدقاء مخلصين فى القرية المجاورة لتلك القلعة .. ويمكننا ان نختبئ عندهم فى امان . .
كما ان المنطقة التى تقع فيها هذه القرية اكثر امنا من مكاننا هذا . . !
وهكذا قررنا ان السفينة (( بون ادفنشر)) ستأخذنا الى (( كاريسربوك)) بدلا من فرنسا .. وفى اليوم التالى احضر (( الزفير)) سائلا بنيا صبغ به وجهى .. وتنكر هو بحلق لحيته .. وغيرنا ملابسنا بملابس فلاح وصبيه .. وعندما نظر كل منا الى الشخص الاخر بعد هذا التنكر الجيد ، تأكدنا ان احدا لن يعرفنا فى هذا الزى الجديد .. !
- انه ليس سريرا مريحا .. ولكن من المؤكد ان هناك اماكن اخرى للنوم اسوا منه بكثير .. وعلى اية حال فان الازم والضروري ان ترقد هنا لمدة شهر او ربما شهرين حتى يلتام الجرح في قدمك وتعود اليك عافيتك تماما ..!
ولكن بينما كان ((آلزفر )) يتكلم .. كنت اشعر بالم شديد يكاد يحطم راسي .. وطلبت ان اشرب بعض الماء .. فاحضر لي ((آلزفر بعض الماء في قبعته وشربت وانا اشعر ان راسي تدور وتدور .. ولم اشعر بما حدث بعد ذلك واصبحت بغيبوبة كالمة استمرت عدة ايام.. اخبرني ((آلزفر))بعد ذلك اني كنت افز من غيبوبتي تلك واصرخ واهذى .. ولكنه كان يقوم بتهدئتي ويحرص على راحتي .. وكان لا يترك الكهف اطلاقا الا اذا اضطر الى احضار بعض الطعام ..
وبعد ان خفت عني وطاة المرض وبدات اتمايل الى الشفاء .. اصبحت نحيفا وفي غاية الضعف .. ولم اعد افعل شيئا سوى الرقاد على الفراش الرمالي لا افكر في شئ ولا ازعج نفسي بالاهتمام بشئ ..وآكل كل ما يقدم الي من طعام ..
ولم يكن احد يعرف سر وجودنا بهذا الكهف سوى ((راتسي)) الذي كان يحمل لنا الطعام بين الحين والآخر ويخبرنا بآخر اخبار ما يحدث في ((مون فليت))..وقال لنا ان الجنود مازالو يبحثون عنا في كل مكان .. وانهم كانو يظنون في البداية اننا سقطنا في البحر .. وقد قال الجنود ذلك حين احضروا جثة ((ماسكيو)) الى ابنته .. ولكن هذا الوضع تغير عندما اخبرهم صبي صغير بانه راى واحدا من المهربين ومعه صبي مصاب في قدمه ..وان هذا المهرب خطف منه بندقيته وباروده .. ولهذا فقد اعلن قائد الجند عن مكافئة قدرها خمسون جنيها لمن يقبض على ((آلزفر بلوك)) ... ومكافاة اخرى قدرها عشرون جنيها لمن يقبض على الصبي ((جون ترنشارد)) ...
وهكذا مرت الايام..
وبدأت استعيد صحتي وعافيتي .. وبدأ ((آلزفر)) يتحدث عما سوف نفعله بعد ان نغادر الكهف .. وقال انه علينا ان نذهب الى ((نيو بورت)) ومن هذا الميناء نركب سفينة المهربين((بون ادفنشر)) ونذهب بها الى فرنسا .. ونختبئ هناك الى ان يكف الجنود عن البحث عنا ..
وفى احدى الامسيات العاصفة ، كان (( الزفير)) قد ذهب الى بلدة بول القريبة بعد ان علم ان السفينة (( بون ادفنشر)) ستكون موجودة هناك وليتفق مع بحارتها على الموعد المناسب لرحلتنا ..
كنت اجلس خارج الكهف لكى اطل على البحر الصاخب الذى كانت امواجه العاتية تتلاطم بعنف فوق صخور الشاطئ .. وخيل الى انى رايت منظرا غريبا .. خيل لى انى رايت (( ماسيكو)) راقدا على الارض مكتوف اليدين والقدمين ومع ذلك فقد كان يضحك لى .. او يضحك على .. لا ادرى..
قمت ودخلت الى الكهف واشعلت شمعة وفتحت العلبة الفضية التى عثرت عليها فى تابوت ذى اللحية السوداء .. واخرجت الورقة الصغيرة ذات الكتابة الغامضة .. واخذت أقرأها مرة اخرى :
قد يعيش الرجل ثمانين عاما ..
يمشى قدما قدما تحت سيل الدموع..
فالشرب من بئر السعادة ..
لان الموت سيأتى حتما ..
من جهة الشمال او الجنوب ..
(( جون موهون))
وفجأة سمعت حركة فى الممر الموصل الى الكهف .. وسمعت وقع خطوات لشخص قادم .. انه ليس (( الزفير)) لان (( الزفير)) لن يعود من مشواره قبل عدة ساعات فمن ياترى يكون قادم ؟! .. واطفأت الشمعة .. وامسكت بالبندقية التى كانت موضوعة على جانبى ، وصحت فى الظلام :
_ من القادم هناك ؟!
توقفت الخطوات ولكن احدا لم يرد .. فكررت الصياح مرة اخرى وبصوت اعلى :
_ من القادم هناك .. اجب والا سوف اطلق النار . . !!
وهنا اجاب القادم :
_ انا (( راتسى)) ايها المجنون الصغير .. هل ستطلق النار على اعز صديق لك .. وبالبندقية التى احضرتها اليك . . ؟!
وهكذا انزلت البندقية ، واعدت اشعال الشمعة .. ورأيت راتسى امامى . . !
كانت ملابسة مبتلة بسبب الامطار الغزيرة التى هطلت عليه عليه فى طريقه الى هنا .. ولكنه كان مسرورا برؤيتى وقال وهو يمسك بيدى :
_ جون .. ان ما حدث لك طول الشهرين الماصيين قد حولك من صيى الى رجل .. لقد كنت مجرد صبى صغير حين خرجت معنا فى عملية رأس هور .. لم يكن من الصواب ان تخرج معنا فى ذلك الصباح .. ان مثل هذه الاعمال لا تناسب صبيا فى مثل سنك ..
وبالرغم من اقتناعى بصحة كلامه الا اننى قلت بصدق :
_ لا يا (( راتسى)) .. اينما سيذهب (( الزفير)) سأذهب معه .. واينما ابقى سأبقى ..
وجلست فوق فراشى الرملى .. وبدأت العاصفة تشتد فى الخارج .. وتسلل الهواء الى داخل الكهف فأطفأ الشمعة .. وصاح (( راتسى)) :
_ يالها من ليلة عاصفة باردة .. كان الله فى عوننا .. فقلت مؤيدا :
_ نعم .. وكان الله فى عون البحارة والرجال الذين يعملون فى السفن التى تجوب البحر فى تلك العاصفة ..
وقال راتسى :
_ حقا .. من المحتمل اننا سنجد بعض القوارب والسفن الصغيرة محطمة على الشاطئ (( مون فليت))
صباح اليوم التالى بعد هدوء العاصفة .. دعنا نشعل بعض النار ..!
واشعلنا النار فى بعض الاخشاب وفروع الاشجار .. واحسسنا بالدفء .. وقال (( راتسى)) وهو يفرك يديه :
_ كنت موشكا على الموت متجمدا من شدة البرد .. كم هى جميلة تلك النار .. وكم هى مفيدة للانسان .. هل تعلم يا جون ان لى ذكريات حزينة فى هذا المكان ؟ .. فمنذ حوالى اربعين عاما .. عندما بدأت اعمل فى تهريب البضائع .. كنت جالسا فى نفس هذا المكان بداخل هذا الكهف .. وفجأة سمعت اصواتا تصرخ .. وصوت سفينة ترتطم بصخور الشاطئعدة مرات . وكل من كان عليها رجال ونساء واطفال كانو يصرخون للنجدة وانقاذهم من السفينة الغارقة .. وعندما خرجنا لنستطيع الامر لم نستطع ان نرى شيئا بسبب شدة الظلام وشدة هطول المطر ..
وفى الصباح اليوم التالى علمنا ان السفينة (( فلوريدا))
_ وهى سفينة جيدة - قد غرقت بكل من عليها من رجال ونساء واطفال ..
وصمت (( راتسى)) قليلا بعد ان استعاد احزان هذه الذكرى .. وبعد ذلك اخرج ورقة من جيبه واعطاها لى كى اقرأها .. وكانت الورقة عبارة عن اعلان بمكفأة قدرها 50 جنيها لمن يرشد الى مكان العثور على (( الزفير بلوك)) ومكفأة اخرى قدرها 20 جنيها لمن يساعد الجنود فى العثور على (( جون ترنشارد)) ..
وقال ((راتسى )) ليطمئننى :
_ لا احد فى (( مون فليت)) يعلم شيئا عن مكان اختفائكما .. وحتى لو علمو فلن يقبل احد ان يرشد اليكما .. ولكن الجنود يراقبون كل تحركاتى .. واينما اذهب اراهم يتتبعون خطواتى .. وقد يكون من الافضل ان امتنع على المجيئ الى هذا الكهف مرة اخرى حتى لا يكون هناك من يراقبنى ويعرف بالتالى سر المكان ..
وعندما اخبرت (( راتسى)) بأن (( الزفير )) قد ذهب الى بلدة (( بول )) ليتفق مع بحارة السفينة (( بون ادفنشر)) على سفرنا الى فرنسا .. شعر (( راتسى)) بكثير من الفرح والارتياح لهذا القرار .. ولكنه بعد ذلك صمت قليلا .. ومد يديه ليدفئهما اما النار ..
وقال فى صوت حزين :
_ ان قلبى مملوء بالحزن يا جون.. لقد راحت الايام السعيدة الماضية .. و (( الزفير)) لن يستطيع العودة الى (( مون فليت)) مرة ثانية .. وحانة (( هواى نوت)) مغلقة لان (( ماسيكو)) قد مات قبل ان يبدأ العمل فيها .. و (( جريس)) ابنة (( ماسيكو)) بنت صغيرة ومسكينة .. نحيفة وبيضاء مثل الزهرة ..
هل تعلم يا جون انها لم تصدق الرجال الذين قالوا لها انك انت و (( الزفير)) اشتركت فى قتل ابيها .. بل وقالت لهؤلاء الرجال ان (( الزفير)) لا يمكن ان يقتل رجلا فى مثل الحالة التى كان عليها ابيها بعد ان امسكوه .. وحتى لو كان الزفير قد شرع فى قتل ابيهاانتقاما لقتل ابنه (( دافيد)) فهى تعلم جيدا ان (( جون ترنشارد)) سيبذل كل جهجه ليمنعه .. !
كانت هذه الكلمات التى قالها (( راتسى)) اعذب فى اذنى من صوت الموسيقى .. لقد جعلتنى اشعر بأنى محل ثقة (( جريس)) وانها مازالت تذكرنى بخير ..
لذلك فقد قلت لراتسى انى لابد ان ارى (( جريس)) واخبرها بنفسى عن كل شئ مما حدث .. لا بد ان اراها قبل ان اغادر من انجلترا الى فرنسا .. وعندئذ نظر الى راتسى نظرة متسائلة وقال :
_ حقا ان (( جريس)) بنت جميلة وبيضاء مثل الزهرة .. ولكنها مازالت صغيرة .. وربما ستكون خير زوجة لك عندما تصبح رجلا .. وذلك اذا قبلت هى الزواج منك !
ووضع (( راتسى )) بعض الاخشاب فى النار فازدادلهيبها فشتعلت ووفرت لنا مزيدا من الضوء وعندئذ رايت ورقة ذى اللحية السوداء التى كنت اقرأها عندما سمعت خطوات (( راتسى)) حين كان قادما من الممر المؤدى الى الكهف .. وكانت الورقة الصغيرة ملقاة الى جانب قدمى (( راتسى)) . . فالتقطها وتفحصها قليلا ثم قال :
_ ماهذه الورقة ياجون .. انها مكتوبة بطريقة رديئة .. وفيها بعض الكلمات مكتوبة بأحرف كبيرة فى الوقت التى كان يجب ان تكتب بأحرف صغيرة ..!
واعطانى الورقة ، ونهض واقفا ثم قال :
_ يبدو اننى لن استطيع ان انتظر (( الزفير)) اكثر من ذلك .. وعندما يعود اخبره بالذى قلته لك ..
وعليكما ان تسرعا بمغادرة هذا المكان فى اقرب وقت .
وودعنى (( راتسى)) وانصرف ..
والتقطت الورقة الصغيرة وعاودت قراءتها .. ولاحظت بالفعل ان هناك كلمات كتبت بحروف كبيرة فى حين ان الصحيح ان تكتب بحروف صغيرة .. كيف لم الاحظ هذا من قبل .. وببساطة شديدة وجدت ان الكلمات التى كتبت بالحروف الكبيرة هى :-
ثمانين . . قدما . . تحت . . بئر . . جهة الشمال
لقد انكشف سر الجوهرة اذن .. فمعنى هذه الكلمات ان الجوهرة مخبأة فى(( بئر))على عمق(( ثمانين قدما)) (( من جهة الشمال )) .. ولكن الشمال ماذا ؟ !
واستغرقت فى التفكير لحل هذا اللغز الجديد .. ودب فى عينى النعاس فنمت فترة .. وعندما استيقظت لاحظت ان النار مازالت مشتعةوان (( الزفير)) جالسا امامها ويعد بعض الطعام .. فقال حينما رأنى مستيقظا :
- هذه ثانى مرة ياجون تنام فيها حين يجب عليك ان تبقى مستيقظا لمراقبة المكان .. !
اعتذرت له .. واخبرته بأمر تلك الكلمات المكتوبة بحروف كبيرة فى ورقة ذى اللحيةالسوداء .. والمعنى الذى تشير اليه تلك الكلمات .. فقال (( الزفير )) ..
- يبدو انك محق فى هذا الظن .. ولكن ماهو البئر المقصود ؟ .. انا اعرف جميع الابار فى (( مون فليت)) .. وليس بينها بئر واحد عمقه يصل الى ثمانين قدما .. وربما يكون هذا البئر الذى المقصود فى ورقة (( جون موهون )) يقع فى منطقة خارج (( مون فليت)) .. وربما يكون فى قلعة (( كاريسبروك)) التى كان (( جون موهون)) ذو اللحية السوداء يقوم فيها بحراسة الملك السجين .. انا اعرف ان هناك بئرا داخل تلك القلعة .. فهيا بنا نذهب الى تلك القلعة .. ان لدى اصدقاء مخلصين فى القرية المجاورة لتلك القلعة .. ويمكننا ان نختبئ عندهم فى امان . .
كما ان المنطقة التى تقع فيها هذه القرية اكثر امنا من مكاننا هذا . . !
وهكذا قررنا ان السفينة (( بون ادفنشر)) ستأخذنا الى (( كاريسربوك)) بدلا من فرنسا .. وفى اليوم التالى احضر (( الزفير)) سائلا بنيا صبغ به وجهى .. وتنكر هو بحلق لحيته .. وغيرنا ملابسنا بملابس فلاح وصبيه .. وعندما نظر كل منا الى الشخص الاخر بعد هذا التنكر الجيد ، تأكدنا ان احدا لن يعرفنا فى هذا الزى الجديد .. !
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق