الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

عائلتنا كالمظلة التي نحتمي بها

فُصل، ديفيد ويندرز، من عمله بعد أن سئم رئيسه من تأخره الدائم عن العمل. بحث عن وظيفة أخرى. لكن باءت كل محاولاته بالفشل. فهو لا يملك مؤهلاً دراسياً أو أي موهبة تمنحه فرصة الحصول على عمل يسدّ رمقه.

طُرد من شقته بعد أن عجز عن تسديد الإيجار الشهري. اضطر لمغادرة مسقط رأسه ليدز، بعد أن فقد مأواه، والانتقال إلى مانشستر للسكن مع شقيقه الأصغر، الذي يدرس فصله الأول في جامعة مانشستر. استضافه شقيقه لبضعة اشهر دون مقابل، ثم ساعده على الحصول على وظيفة بسيطة لا تحتاج إلى أي موهبة أو درجة علمية. كل ما تتطلبه هذه المهنة هو أن يحمل لافتة مكتوباً عليها "مواقف سيارات"، أمام مرأب سيارات كبير، بجوار ملعب فريق مانشستر يونايتد (أولد ترافورد)، الذي تتدفق عليه المركبات خلال الموسم الرياضي.

وفّرت هذه الوظيفة راتباً بسيطاً يؤمّن له القليل. لكن ظل ديفيد يأمل بأن يحصل على الكثير؛ ليتمكن من شراء سرير يرقد عليه، بعد أن أرهقه النوم على الأرض وامتلاك آلة إعداد قهوة.

حاول ديفيد أن يعود إلى مقاعد الدراسة، لكن أوصدت الأبواب في وجهه. فتكاليف الدراسة الجامعية باهظة. ظل أسيراً للافتة مواقف السيارات اليي يحرسها، ويدعو السائقين لإيقاف سياراتهم فيها.
في خريف عام 2003، وفي ليلة ماطرة زار ديفيد شقيقه الأصغر في مواقف السيارات الكبيرة التي يحرسها. استمرّ شقيقه معه حتى موعد نهاية المباراة. ولاحظ شقيقه الأعداد الكبيرة للجماهير المبتلة وهي تخرج من الملعب، وتحاول أن تغطي رؤوسها إثر المطر المنهمر. شهد الشقيقان الجماهير صغاراً وكباراً نساء وأطفالاً، وهم يعانون من المطر المتواصل الذي يهطل على رؤوسهم في مشوارهم الطويل من الملعب، حتى مواقف السيارات المترامية حول الملعب والفنادق البعيدة. اقترح الشقيق الصغير أن يقوم ديفيد ببيع المظلات على الجماهير في المباريات القادمة، لعلها تفتح له باب رزق إضافياً. استدان ديفيد مبلغاً من المال من شقيقه الصغير، اشترى به نحو 20 مظلة احتفظ بها في مستودع تابع لمواقف السيارات التي يعمل فيها. مرت مباراة واثنتان وثلاث ولم يهطل المطر ولم يبع أيّ مظلة. في المباراة الرابعة هطل المطر بغزارة وباع العشرين مظلة بثلاثة أضعاف السعر الذي اشتراها به. وتمنى لو أنه يملك 100 مظلة حتى يبيعها على الجمهور الذي كان على استعداد أن يدفع أي مبلغ ليحميه من المطر الكثيف. استفاد ديفيد من الدرس جيداً. اشترى بأرباحه مع دين جديد من شقيقه أكثر من 300 مظلة. باع كل المظلات التي اشتراها في المباريات اللاحقة. حقق ديفيد أرباحاً كبيرة ساعدته على تسديد ديونه وشراء آلة القهوة التي يحلم بها، والسرير الذي ينام عليه بسعادة. روى شقيق ديفيد قصته لزميله الذي يعمل في صحيفة "إيفنينغ نيوز". اطلع عليها مسؤول مالي في بنك "لويدز" الذي أعجب بديفيد ودله على مستثمر أقرضه، لشراء سيارة تحتوي على مطعم صغير متنقل. ترك ديفيد مرأب السيارات واللافتة، وأخذ يجوب بمطعمه أرجاء مانشستر. يركن سيارة بالقرب من أيّ فعالية فنية أو ثقافية أو رياضية. كان المردود كبيراً جداً مكّنه من العودة إلى مقاعد الدراسة واستئناف أحلامه المؤجلة. تزوج واشترى سيارة اخرى تقودها شريكة حياته، واليوم يملك مطعماً فاخراً في مسقط رأسه ليدز.

يدين ديفيد بالفضل للمظلة الأولى التي باعها في مرأب السيارات المتاخم لملعب "أولد ترافورد"، التي استدان قيمتها من شقيقه.

إننا لا ندرك حجم أفراد أسرتنا وأهميتهم، إلا في المصاعب ••|  التي نواجهها. فوقوفهم معنا يصنع الفارق ويحقق الاستثناء.

فلا خوف على أيّ شخص لديه أسرة قريبة منه، تقف خلفه وتؤازره في الأفراح والأتراح.

عائلتنا كـ "المظلة" تخفف عنّا قسوة الحياة، وتهبنا ضوء في أحلك الليل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق